صدرا 2
الحکمة المتعالیة فى الاسفار العقلیة الاربعة ج3 ص : 297 - 299
فصل (4) فی تحقیق معنى العلم
العلم لیس أمرا سلبیا کالتجرد عن المادة و لا إضافیا بل وجودا و لا کل وجود بل وجودا بالفعل لا بالقوة و لا کل وجود بالفعل بل وجودا خالصا غیر مشوب بالعدم و بقدر خلوصه عن شوب العدم یکون شدة کونه علما
و بیان هذا أن المادة الأولى أمر مبهم فی ذاته و هی غیر موجودة بالفعل و إنما یتحصل و یتقوم ذاتا- متحققة بالجسم و لواحقه کالحرکة و ما ینشأ منها «1» و الجسم بما هو جسم لا یکون له وجود خالص عن العدم الخارجی فإن کل جزء مفروض فیه وجوده یقتضی عدم غیره من الأجزاء و عدم الکل فإنه إذا وجد ذلک الجزء کان الکل معدوما و کذا یسلب عنه سائر الأجزاء و لأن الوجود عین الوحدة أو ملازم لها فما لا وحدة له لا وجود له و کذا الحمل و الهوهویة من لوازم الوحدة فما لا هوهویة له فلا وجود له لشیء «1» و شیء من أجزاء الجسم المتصل و لو بحسب الوهم لا یحمل على الجسم- و لا الجسم یحمل على شیء من تلک الأجزاء مع أنه حاصل الهویة من اتصال تلک الأجزاء و کماله بزیادة ذلک الاتصال فی تمادیه و ما کمال الشیء یوجب زواله- فکیف یکون فی نفسه موجودا مستقلا و بالجملة الجسم حقیقة افتراقیة فی وجودها قوة عدمها «2» و فی عدمها قوة وجودها فوجود کل فرد منه کالذراع مثلا عین عدم فرد آخر أو ضده ففیه قوة زوال نفسه و هذا غایة ضعف الوجود لشیء حیث وجوده یوجب عدمه و هو کالکثرة فی ضعف الوحدة فإن وحدة الکثرة عین کثرتها لشیء و الفرق بین الهیولى الأولی و بین الجسم فی نقص الوجود أن الهیولى بعینها- قوة صرفة لوجود الأشیاء الکثیرة و أما الجسم ففی وجوده قوة عدمه فما هذا شأنه یوجد بتمامه لذاته و ما لا یوجد بتمامه لذاته لا یناله شیء آخر و النیل و الدرک من لوازم العلم فلا علم لأحد بشیء من الجسم و أعراضه اللاحقة إلا بصورة غیر صورتها الوضعیة المادیة التی فی الخارج لأن تلک الصورة بعینها إذا حصلت لشیء- کان ذلک الشیء إما مادتها التی هی محلها أو الأمر الذی یحلها أو الأمر الذی یحل معها فی محلها و حکم الجمیع کحکم الصورة الجسمیة الخارجیة فی أن لا وجود لها لذاتها و لیس لشیء منها عند شیء وجود إلا بحسب أطرافها و نهایاتها و نهایة الشیء خارجة عن ذاته و الإدراک یتعلق بذوات الأشیاء و أجزائها الداخلة فعلم مما ذکرنا أن أصل الوجود لا یکفی فی کون الشیء مدرکا و منالا لشیء یدرکه و یناله ذلک الشیء بل وجودا غیر ذی وضع بالمعنى الذی هو من المقولة فالوجود القوی الذی لا یصحبه هذه الشوائب العدمیة هو عبارة عن الإدراک فهذا یمکن أن یکون هو المراد بما ذکره القائل سابقا إن التعقل هو المجموع الحاصل من حضور الشیء و حالة أخرى له لو کان أراد بتلک الحالة استقلال الوجود و تأکده فی الجملة بأن یکون منقسما و لا ذا وضع حسی واقع فی جهة من جهات العالم الوضعی و هذا حال کل صورة إدراکیة فإنها غیر قابلة للإشارة الوضعیة فإن الصورة التی ینالها الحس لیست بالحقیقة هی التی تسمى بالکیفیات المحسوسة و لا التی تسمى بأوائل الملموسات و هی الحرارة الخارجیة و البرودة الخارجیة القابلة للإشارة الحسیة الوضعیة فإنها محسوسة بالقصد الثانی و بالعرض لا بالقصد الأول و بالذات فإن المحسوس من حیث هو محسوس وجوده فی نفسه بعینه وجوده للجوهر الحاس به- و هذا النحو من الوجود هو محسوسیته کما أن وجود المعقول من حیث هو معقول- و معقولیته و حصوله للجوهر العاقل بعینه شیء واحد فالصورة المحسوسة بالذات- لیس وجودها وجودا ذا وضع یمکن الإشارة إلیها و إن کان من شرائط الإدراک الحسی حصول نسبة وضعیة بین آلة الإدراک و الشیء الذی یؤخذ منه تلک الصورة- و هذه النسبة غیر ثابتة بین تلک الصورة و ما یطابقه و تؤخذ منه و ذلک الشرط غیر محتاج إلیه فی غیر الإدراک الحسی من الإدراکات الخیالیة و الوهمیة و العقلیة و لیس أیضا حصول الصورة الإدراکیة للمشاعر و المشاهد الإدراکیة کحصول الصور الکائنة فی محالها الخارجیة کما سنتلو علیک وجوه الفرق بین الحصولین
الحکمة المتعالیة فى الاسفار العقلیة الاربعة ج3 ص 312- 321
فصل (7) فی بیان أن التعقل عبارة عن اتحاد جوهر العاقل بالمعقول
إن مسألة کون النفس عاقلة لصور الأشیاء المعقولة من أغمض المسائل الحکمیة التی لم ینقح لأحد من علماء الإسلام إلى یومنا هذا و نحن لما رأینا صعوبة هذه المسألة و تأملنا فی إشکال کون العلم بالجوهر جوهرا و عرضا و لم نر فی کتب القوم سیما کتب رئیسهم أبی علی کالشفاء و النجاة و الإشارات و عیون الحکمة و غیرها ما یشفی العلیل و یروی الغلیل بل وجدناه و کل من فی طبقته و أشباحه- و أتباعه کتلمیذه بهمنیار و شیخ أتباع الرواقیین و المحقق الطوسی نصیر الدین و غیرهم من المتأخرین لم یأتوا بعده بشیء یمکن التعویل علیه و إذا کان هذا حال هؤلاء المعتبرین من الفضلاء فما حال غیر هؤلاء من أصحاب الأوهام و الخیالات و أولى وساوس المقالات و الجدالات فتوجهنا توجها جبلیا إلى مسبب الأسباب- و تضرعنا تضرعا غریزیا إلى مسهل الأمور الصعاب فی فتح هذا الباب إذ کنا قد جربنا مرارا کثیرة سیما فی باب إعلام الخیرات العلمیة و إلهام الحقائق الإلهیة- لمستحقیه و محتاجیه إن عادته الإحسان و الإنعام و سجیته الکرم و الإعلام و شیمته رفع أعلام الهدایة و بسط أنوار الإفاضة فأفاض علینا فی ساعة تسویدی هذا الفصل من خزائن علمه علما جدیدا و فتح على قلوبنا من أبواب رحمته فتحا مبینا- و ذلک فضل الله یؤتیه من یشاء و الله ذو الفضل العظیم فنقول امتثالا لقوله تعالى وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّکَ فَحَدِّثْ إن صور الأشیاء على قسمین إحداهما صورة مادیة قوام وجودها بالمادة و الوضع و المکان و غیرها و مثل تلک الصورة لا یمکن أن یکون بحسب هذا الوجود المادی معقولة بالفعل بل و لا محسوسة أیضا کذلک إلا بالعرض- و الأخرى صورة مجردة عن المادة و الوضع و المکان تجریدا أما تاما فهی صورة معقولة «1» بالفعل أو ناقصا فهی متخیلة أو محسوسة بالفعل و قد صح عند جمیع الحکماء- أن الصورة المعقولة بالفعل وجودها فی نفسها و وجودها للعاقل شیء واحد من جهة واحدة بلا اختلاف «2» و کذا المحسوس بما هو محسوس وجود فی نفسه و وجوده للجوهر الحاس شیء واحد بلا اختلاف جهة فإذا کان الأمر هکذا فلو فرض أن المعقول بالفعل أمر وجوده غیر وجود العاقل حتى یکونا ذاتین موجودتین متغایرتین لکل منهما هویة مغایرة للأخرى و یکون الارتباط بینهما بمجرد الحالیة و المحلیة کالسواد و الجسم الذی هو محل السواد لکان یلزم حینئذ أن یمکن اعتبار وجود کل منهما مع عزل النظر عن اعتبار صاحبه لأن أقل مراتب الاثنینیة بین شیئین اثنین- أن یکون لکل منهما وجود فی نفسه و إن قطع النظر عن قرینة لکن الحال فی المعقول بالفعل لیس هذا الحال إذ المعقول بالفعل لیس له وجود آخر إلا هذا الوجود الذی هو بذاته معقول لا بشیء آخر و کون الشیء معقولا لا یتصور «1» إلا بکون شیء عاقلا له فلو کان العاقل أمرا مغایرا له لکان هو فی حد نفسه مع قطع النظر عن ذلک العاقل غیر معقول فلم یکن وجوده هذا الوجود العقلی و هو وجود الصورة العقلیة فإن الصورة المعقولة من الشیء المجردة عن المادة سواء کان تجردها- بتجرید مجرد إیاها عن المادة أم بحسب الفطرة فهی معقولة بالفعل أبدا سواء عقلها عاقل من خارج أم لا و لیس حکم هذه المعقولیة کحکم متحرکیة الجسم الذی إذا قطع النظر عن محرکه لم یکن هو فی ذلک الاعتبار متحرکا بل جسما فقط و ذلک لأن وجود الجسم بما هو جسم لیس بعینه وجوده بما هو متحرک و لا کحکم متسخنیة الجسم إذا قطع النظر عن تسخین مسخنة فإنه لم یکن هو متسخنا عند ذلک لأن وجوده بعینه لیس وجود السخونة و لا کذلک حکم المعقول بالفعل فإنه لا یمکن أن یکون إلا معقولا بالفعل لأن ذلک الکون فی نفسه هو بعینه معقولیته- سواء عقله غیره أو لم یعقله فهو معقول الهویة بالفعل من غیر حاجة إلى عاقل آخر عقله فإذن هو عاقل بالفعل کما أنه معقول بالفعل و إلا لزم انفکاک المعقول بالفعل عن العاقل بالفعل و قد مر فی مباحث المضاف أن المتضایفین متکافئان فی الوجود «1»
و فی درجة الوجود أیضا إن کان أحدهما بالفعل کان الآخر بالفعل و إن کان بالقوة کان الآخر بالقوة و إن کان أحدهما ثابتا فی مرتبة من المراتب کان الآخر أیضا ثابتا فیها و إذا علمت الحال فی الصورة المعقولة هکذا و هو أن المعقول منها بعینه هو العاقل فاعلم أن الحال فی الصورة المحسوسة أیضا على هذا القیاس فإن المحسوس کما وقع التنبیه علیه ینقسم إلى ما هو محسوس بالقوة و إلى ما هو محسوس بالفعل- و المحسوس بالفعل متحد الوجود مع الجوهر الحاس بالفعل و الإحساس لیس کما زعمه العامیون من الحکماء من أن الحس یجرد صورة المحسوس بعینه من مادته- و یصادفها مع عوارضها المکتنفة و الخیال یجردها تجریدا أکثر لما علم من استحالة انتقال المنطبعات بهویاتها من مادة إلى غیرها.
و لا أیضا معنى الإحساس حرکة القوة الحاسة نحو صورة المحسوس الموجودة فی مادته کما زعمه قوم فی باب الإبصار و لا بمجرد إضافه للنفس إلى تلک الصور المادیة کما زعمه صاحب التلویحات لما مر من أن الإضافة الوضعیة إلى الأجسام- لیست إدراکا لها و الإضافة العلمیة لا یمکن أن یتصور بالقیاس إلى ذوات الأوضاع المادیة بل الإحساس إنما یحصل بأن یفیض من الواهب صورة نوریة إدراکیة یحصل بها الإدراک و الشعور فهی الحاسة بالفعل و المحسوسة بالفعل و أما قبل ذلک فلا حاس و لا محسوس إلا بالقوة و أما وجود صورة فی مادة مخصوصة فهی من المعدات لفیضان تلک الصورة التی هی المحسوسة و الحاسة بالفعل و الکلام فی کون هذه الصورة- حسا و حاسا و محسوسا بعینه کالکلام فی کون الصورة العقلیة عقلا و عاقلا و معقولا قال المعلم الأول فی کتاب أثولوجیا ینبغی أن یعلم أن البصر إنما ینال الأشیاء الخارجة منه و لا ینالها حتى یکون بحیث ما یکون هو هو فیحس حینئذ و یعرفها معرفة صحیحة على نحو قوته کذلک المرء العقلی إذا ألقى بصره على الأشیاء العقلیة لم ینلها حتى یکون هو و هی شیئا واحدا إلا أن البصر یقع على خارج الأشیاء و العقل على باطن الأشیاء فلذلک یکون توحده معها بوجوه فیکون مع بعضها أشد و أقوى من توحد الحس بالمحسوسات و البصر کلما أطال النظر إلى الشیء المحسوس أضربه حتى یصیره خارجا من الحس لا یحس شیئا فأما البصر العقلی فیکون على خلاف ذلک انتهى کلامه فبما ذکرناه اندفع إشکالات کثیرة و مفاسد شنیعة ترد على القول بارتسام صور المعقولات المتباینة الماهیات فی العقل- و کذا ما یرد على القول بانطباع صور الممکنات فی ذات الباری جل اسمه کما هو المشهور من أتباع المشائین فإن التعقل لو کان بارتسام الصورة العقلیة فی ذات العاقل- یلزم فی علم النفس بالجوهر و بالکم و غیرهما کون شیء واحد مندرجا تحت مقولتین بالذات و فی علم الباری کونه محلا للممکنات و یلزم أمور شنیعة أخرى مذکورة فی مواضعها ثم إنهم زعموا أن الجوهر المنفعل العقلی من الإنسان الذی کان عقلا و معقولا بالقوة مما یصادف الصور العقلیة و یدرکها إدراکا عقلیا فنقول تلک القوة الانفعالیة بما ذا أدرکت الصورة العقلیة أ تدرکها بذاتها المعراة عن الصور العقلیات فلیت شعری کیف یدرک ذات عاریة جاهلة غیر مستنیرة بنور عقلی صورة عقلیة نیرة فی ذاتها معقولة صرفة فإن أدرکها بذاتها فالذات العاریة «1» الجاهلة العامیة العمیاء کیف تدرک صورة علمیة و العین العمیاء کیف تبصر و ترى- ف مَنْ لَمْ یَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ و إن أدرکتها بما استنارت به من صورة عقلیة فکانت تلک الصورة عاقلة بالفعل کما کانت معقولة بالفعل بلا حاجة إلى صورة أخرى و إلا لکان الکلام عائدا و یلزم تضاعف الصور إلى غیر النهایة فکان المعقول و العاقل شیئا واحدا بلا اختلاف.
و لیس لقائل أن یقول تلک الصورة واسطة فی کون النفس عاقلة لما سواها- و هی معقولة للنفس بذاتها «2» بمعنى أن ما وراءها مما هی مطابقة إیاها تصیر معقولة للنفس بتلک الصورة.
لأنا نقول لو لم تکن تلک الصورة معقولة للنفس أولا لم یمکن أن یدرک بها غیرها و لیس توسیط تلک الصورة فی إدراک الأشیاء کتوسیط الآلات الصناعیة فی الأعمال البدنیة بل مثالها مثال النور المحسوس فی درک المبصرات حیث یبصر النور أولا و بتوسطه غیره.
على أنا قد أوضحنا بالبرهان القاطع أن الصورة المعقولة معقولة فی ذاتها لذاتها سواء عقلها غیرها أو لم یعقلها و کذا المحسوس بالفعل لا یمکن فرض وجود له لم یکن هو بحسب ذلک الوجود محسوسا فهو محسوس بالفعل و إن قطع النظر عما سواه و لیس وجود الصور الإدراکیة عقلیة کانت أو حسیة للجوهر المدرک کحصول الدار «1» و الأموال و الأولاد لصاحب الدار و المال و الولد فإن شیئا من ذلک الحصول لیس فی الحقیقة حصولا لذات شیء لدى ذات أخرى بل إنما ذلک حصول إضافة لها فقط نعم حصول الصورة الجسمانیة الطبیعیة للمادة التی یستکمل بها و یصیر ذاتا متحصلة أخرى یشبه هذا الحصول الإدراکی «2» فکما لیست المادة شیئا من الأشیاء المعینة بالفعل إلا بالصور و لیس لحوق الصور بها لحوق موجود بموجود- بالانتقال من أحد الجانبین إلى الآخر بل بأن یتحول المادة من مرتبة النقص فی نفسها إلى مرتبة الکمال فکذلک حاک النفس «1» فی صیرورتها عقلا بالفعل بعد کونها عقلا بالقوة و لیس لحوق الصورة العقلیة بها عند ما کانت قوة خیالیة بالفعل عقلا بالقوة کلحوق موجود مباین لموجود مباین کوجود الفرس لنا أو کلحوق عرض لمعروض جوهری مستغنی القوام فی وجوده عن ذلک العرض «1» إذ لیس الحاصل فی تلک الحصولات إلا وجود إضافات لا یستکمل بها شیء و حصول الصورة الإدراکیة للجوهر الدراک أقوى فی التحصیل و التکمیل له من الصور الطبیعیة فی تحصیل المادة و تنویعها و سنعود من بعد إلى دفع الشکوک التی لأجلها قد تحاشی القوم- کالشیخ الرئیس و أتباعه من القول باتحاد العقل بالمعقول على وجه لم یبق لأهل البصیرة مجال شک و اضطراب فی هذا المطلب بتوفیق الله العظیم
فصل (8) فی تأکید القول باتحاد العاقل بالمعقول ج 3، 322- 329
[أدلة المانعین لذلک]
اعلم أن الشیخ الرئیس فی أکثر کتبه نص على إبطال القول باتحاد العاقل بالمعقول و أصر على إبطال ذلک القوم غایة الإصرار و استبعد ذلک غایة الاستبعاد و نحن نذکر فی هذا الفصل ما ذکره فی بطلان هذا القول من استدلالاته و احتجاجاته على ذلک و تشنیعاته على القائلین بالاتحاد بین العقل و العاقل ثم نأخذ فی التفصی عن إشکالاته و الجواب عن احتجاجاته فلقد قال فی کتاب الإشارات إن قوما من المتصدرین یقع عندهم أن الجوهر العاقل إذا عقل صورة عقلیة صار هو هو فلنفرض الجوهر العاقل عقل آ و کان هو على قولهم بعینه المعقول من آ فهل هو حینئذ کما کان عند ما لم یعقل آ أو بطل منه ذلک فإن کان کما کان فسواء عقل آ أو لم یعقلها و إن کان بطل منه ذلک أبطل على أنه حال له و الذات باقیة فهو کسائر الاستحالات لیس على ما یقولون و إن کان على أنه ذاته فقد بطل ذاته و حدث شیء آخر لیس أنه صار شیئا آخر على أنک إن تأملت هذا أیضا علمت أنه یقتضی هیولى مشترکة و تجدد مرکب لا بسیط.
و قال أیضا زیادة تنبیه و أیضا إذا عقل آ ثم عقل ب أ یکون کما کان عند ما عقل آ حتى یکون سواء عقل ب أو لم یعقلها أو یصیر شیئا آخر و یلزم منه ما تقدم ذکره.
و قال فیه أیضا و کان لهم رجل یعرف بفرفوریوس عمل فی العقل و المعقولات کتابا یثنی علیه المشاءون و هو حشف کله و هم یعلمون من أنفسهم أنهم لا یفهمونه- و لا فرفوریوس نفسه و قد ناقضه من أهل زمانه رجل و ناقض هو ذلک المناقض بما هو أسقط من الأول ثم ذکر دلیلا عاما على نفی الاتحاد بین شیئین مطلقا و قال اعلم أن قول القائل إن شیئا ما یصیر شیئا آخر لا على سبیل الاستحالة من حال إلى حال و لا على سبیل الترکیب مع شیء آخر لیحدث عنهما شیء ثالث بل على أنه کان شیئا واحدا فصار واحدا آخر قول شعری غیر معقول فإنه إن کان کل واحد من الأمرین موجودا فهما اثنان متمیزان و إن کان أحدهما غیر موجود فقد بطل الذی کان موجودا.
و قال فی الفصل السادس من المقالة الخامسة من الفن السادس فی علم النفس من طبیعیات الشفاء و ما یقال من أن ذات النفس تصیر هی المعقولات فهو من جملة ما یستحیل عندی فإنی لست أفهم قولهم إن یصیر شیء شیئا آخر و لا أعقل أن ذلک کیف یکون فإن کان بأن یخلع صورة ثم یلبس صورة أخرى و یکون هو مع الصورة الأولى شیئا- و مع الصورة الأخرى شیئا آخر فلم یصر بالحقیقة الشیء الأول الشیء الثانی بل الشیء الأول قد بطل و إنما بقی موضوعه أو جزء منه و إن کان لیس کذلک فلننظر کیف یکون فنقول إذا صار الشیء شیئا فأما أن یکون إذ هو قد صار ذلک الشیء- موجودا أو معدوما فإن کان موجودا و الثانی الآخر أما أن یکون موجودا أیضا أو معدوما فإن کان موجودا فهما موجودان لا موجود واحد و إن کان معدوما فقد صار هذا الموجود شیئا معدوما لا شیئا آخر موجودا و هذا غیر معقول و إن کان الأول قد عدم فما صار شیئا آخر بل عدم هو و حصل شیء فالنفس کیف یصیر صور الأشیاء و أکثر ما هو بین الناس فی هذا هو الذی صنف لهم إیساغوجی و کان حریصا على أن یتکلم بأقوال مخیلة شعریة صوفیة یقتصر منها لنفسه و لغیره على التخیل و یدل أهل التمیز فی ذلک کتبه فی العقل و المعقولات و کتبه فی النفس نعم إن صور الأشیاء یحل النفس- و یحلیه و یزینه و یکون النفس کالمکان لها بتوسط العقل الهیولانی و لو کانت النفس- صارت صورة شیء من الموجودات بالفعل و الصورة هی الفعل و هی بذاتها فعل و لیس فی ذات الصورة قوة قبول شیء «1» إنما قوة القبول فی القابل للشیء وجب أن یکون النفس حینئذ لا قوة لها على قبول صورة أخرى و أمر آخر و قد نراها تقبل صورة أخرى غیر تلک الصورة فإن کان ذلک الغیر أیضا لا یخالف هذه الصورة فهو من العجائب- فیکون القبول و اللاقبول واحدا و إن کان یخالفه فیکون النفس لا محالة هی الصورة المعقولة قد صارت غیر ذاتها و لیس من هذا شیء بل النفس هی العاقلة و العقل إنما نعنی به قوتها التی بها تعقل أو نعنی به صورة هذه المعقولات فی نفسها و لأنها فی النفس تکون معقولة فلا یکون العقل و العاقل و المعقول شیئا واحدا فی أنفسنا نعم هذا فی شیء آخر یمکن أن یکون على ما سنلمحه فی موضعه و کذلک العقل الهیولانی- إن عنی به مطلق الاستعداد للنفس و هی باقیة فینا أبدا ما دمنا فی البدن و إن عنی بحسب شیء شیء فإن الاستعداد یبطل مع وجود الفعل انتهى قوله بألفاظه
[مقدمة الجواب]
أقول و الذی یجب أن یعلم أولا قبل الخوض فی دفع ما ذکره الشیخ فی نفی الاتحاد بین الأمرین عاما و بین العاقل و المعقول خاصا أمران.
أحدهما أن الوجود فی کل شیء هو الأصل فی الموجودیة و هو مبدأ شخصیته و منشأ ماهیته و أن الوجود مما یشتد و یضعف و یکمل و ینقص و الشخص هو هو- أ لا ترى أن الإنسان من مبدإ کونه جنینا بل نطفة إلى غایة کونه عاقلا و معقولا جرت علیه الأطوار و تبدلت علیه النشآت مع بقاء نحو وجوده و شخصیته.
و ثانیهما أن الاتحاد یتصور على وجوه ثلاثة- الأول أن یتحد موجود بموجود بأن یصیر الوجودان لشیئین وجودا واحدا و هذا لا شک فی استحالته لما ذکره الشیخ من دلائل نفی الاتحاد.
و الثانی أن یصیر مفهوم من المفهومات أو ماهیة من الماهیات عین مفهوم آخر- مغایر له أو ماهیة أخرى مغایرة لها بحیث یصیر هو هو أو هی هی حملا ذاتیا أولیا و هذا أیضا لا شک فی استحالته فإن المفهومات المغایرة لا یمکن أن تصیر مفهوما واحدا- أو یصیر بعضها بعضا بحسب المفهوم ضرورة أن کل معنى غیر المعنى الآخر من حیث المعنى مثلا مفهوم العاقل محال أن یصیر عین مفهوم المعقول نعم یمکن أن یکون وجود واحد بسیط یصدق علیه أنه عاقل و یصدق علیه أنه معقول حتى یکون الوجود واحدا- و المعانی متغایرة لا تغایرا یوجب تکثر الجهات الوجودیة.
و الثالث صیرورة موجود بحیث یصدق علیه مفهوم عقلی و ماهیة کلیة بعد ما لم یکن صادقا علیه أولا لاستکمال وقع له فی وجوده «1» و هذا مما لیس بمستحیل بل هو واقع فإن جمیع المعانی المعقولة التی وجدت متفرقة فی الجماد و النبات و الحیوان- یوجد مجتمعة فی الإنسان الواحد.
لا یقال هذه المعانی الحیوانیة و النباتیة و الجمادیة إنما وجدت فی الإنسان- بحسب کثرة قواه لا بحسب قوة واحدة.
لأنا نقول بل بحسب صورة ذاته المتضمنة لقواه فإن جمیع قوى الإنسان المدرکة و المحرکة یفیض على مادة البدن و مواضع الأعضاء عن مبدإ واحد بسیط هو نفسه و ذاته الحقیقیة و تلک القوى کلها فروع ذلک الأصل و هو حس الحواس و عامل الأعمال کما أن العقل البسیط الذی أثبته الحکماء هو أصل المعقولات المفصلة- و سینکشف لک فی هذا الکتاب أن العقل الفعال فی أنفسنا هو کل الموجودات بمعنى أن ذاته بذاته مصداق حمل جمیع المعانی الکلیة التی تکون موجودة فی صور المکونات التی فی العالم و بالجملة فکون وجود أو موجود واحد هو بصدد الاستکمال بحیث یصدق علیه و یحمل على ذاته بذاته معنى من المعانی لم یکن صادقا محمولا على ذاته لیس بمستنکر کما قیل لیس من الله بمستنکر أن یجمع العالم فی واحد.
[الجواب عن الأدلة]
إذا تقرر هذا فلنرجع إلى الجواب عن احتجاجات الشیخ أما دلیله العام المذکور فی الإشارات فقوله إن کان کل واحد من الأمرین موجودا فهما اثنان متمیزان.
قلنا إن هذا غیر مسلم لجواز أن یکون مفهومات متعددة بحسب المعنى- موجودة بوجود واحد فإن الحیوان و الناطق معنیان متغایران یمکن انفکاک أحدهما عن الآخر و هما مع ذلک موجودان بوجود واحد فی الإنسان و کذا دلیله العام المذکور فی الشفاء فإن قوله إذا صار الشیء شیئا آخر فإما أن یکون إذ هو قد صار ذلک الشیء موجودا أو معدوما إلخ قلنا نختار أنه یکون موجودا و قوله فإن کان موجودا فالثانی الآخر إما أن یکون أیضا موجودا أو معدوما قلنا نختار أنه أیضا یکون حینئذ موجودا قوله فهما موجودان لا موجود واحد قلنا بل هما موجودان بوجود واحد و لا استحالة فی کون معانی متغایرة موجودة بوجود واحد و السند ما مر و لو کان یجب أن یکون لکل معنى وجود واحد حتى یستحیل کون معانی متغایرة لها وجود واحد فکیف یکون النفس الإنسانیة مع بساطته جوهرا موجودا- عالما قادرا محرکا سمیعا بصیرا حیا بل الذات الأحدیة الواجبیة التی هی مصداق جمیع المعانی الکمالیة و الصفات الحسنى الإلهیة بوجود واحد بسیط لا اختلاف حیثیة فیه بوجه من الوجوه أصلا.
و أما حجتاه الخاصتان بالعاقل و المعقول فالذی ذکره فی الإشارات من قوله- فلنفرض الجوهر العاقل عقل آ و کان هو على قولهم بعینه المعقول من آ فهل هو حینئذ کما کان عند ما لم یعقل آ أو بطل منه ذلک.
قلنا نختار أنه لم یبطل کونه حینئذ عند ما عقل آ و اتحد به إلا ما هو من باب القصور و النقص کالصبی إذا صار رجلا فإنه لم یزل منه شیء إلا ما هو أمر عدمی- کما اعترف به الشیخ فی فصل من إلهیات الشفاء عند ما یبین أقسام کون الشیء من شیء- حیث قال هناک إن کون الشیء من الشیء على وجهین أحدهما بمعنى أن یکون الأول إنما هو ما هو بأنه بالطبع یتحرک إلى الاستکمال بالثانی کالصبی إنما هو صبی لأنه فی طریق السلوک إلى الرجلیة مثلا فإذا صار رجلا لم یفسد و لکنه استکمل لأنه لم یزل عنه أمر جوهری و لا أیضا أمر عرضی إلا ما یتعلق بالنقص و بکونه بالقوة بعد ما إذا قیس إلى الکمال الآخر و الثانی بأن یکون الأول لیس طباعه أنه یتحرک إلى الثانی و إن کان یلزمه الاستعداد لقبول صورته لا من جهة ماهیته و لکن من جهة حامل ماهیته و إذا کان منه الثانی لم یکن من جوهره الذی بالفعل إلا بمعنى بعد و لکن کان من جزء جوهره و هو الجزء الذی یقارن القوة مثل الماء إنما یصیر هواء بأن یخلع عن هیولاه صورة المائیة و یحصل لها صورة الهوائیة و القسم الأول کما لا یخفى علیک یحصل فیه الجوهر الذی للأول بعینه فی الثانی و القسم الثانی لا یحصل الذی فی الأول بعینه للثانی بل جزء منه و یفسد ذلک الجوهر هذا کلامه بعینه و هو صریح فی أن کون الشیء من شیء قد یکون بحیث قد صار الشیء الأول بعینه متحدا بالثانی و هو هو کما کان مع أمر زائد متحد معه فکیف ینکر هاهنا ما هو من قبیل القسم الأول من قسمی کون الشیء من الشیء قوله فإن کان کما کان فسواء عقل آ أو لم یعقلها قلنا لیس الأمر کما زعمه فإن ذلک إنما یلزم لو لم یصر ذاته بعینها مصداقا لمعنى کمالی لم یکن قبل هذا التعقل و العجب من الشیخ مع عظم شأنه و قدره حیث حکم بأن النفس الإنسانیة- من مبدإ کونها بالقوة فی کل إدراک حتى الإحساس و التخیل إلى غایة کونها عاقلا بالفعل فی أکثر المعقولات بل فی کلها کما هو شأن العقل البسیط لم یصر بحیث یصدق على ذاتها بذاتها شیء من الأشیاء التی لم یکن صادقا علیها فی أوائل الفطرة حتى کانت نفوس الأنبیاء ع و نفوس المجانین و الأطفال بل الأجنة فی بطون الأمهات فی درجة واحدة من تجوهر الذات الإنسانیة و حقیقتها و إنما الاختلاف فی عوارض غریبة لاحقة للوجود الذی لها نعم لو قیل «1» إن هذه الکمالات الوجودیة- کأصل الوجود مفهوماتها غیر مفهوم الإنسانیة و ماهیتها فذلک کما قیل بشرط أن یعلم أن زیادة الوجود على الماهیة کما ذکر مرارا لیست إلا بحسب التصور و المفهوم لا بحسب الحقیقة و الکون فإن الوجود هو الأصل فی التحقق و الماهیة تابعة له و قوله و إن کان بطل منه ذلک أبطل على أنه حال له و الذات باقیة فهو کسائر الاستحالات لیس على ما یقولون قلنا لم یبطل منه شیء من مقوماته و لا من وجود ذاته إلا ما یتعلق بالنقص و العدم بأنه کان ناقص الجوهر فاشتد فی تجوهره و لیس هذا کسائر الاستحالات التی یقع فیها الانتقال من صفة وجودیة إلى ما یعانده کالماء إذا صار هواء و البارد إذا صار حارا و قوله و إن کان على أنه ذاته فقد بطل ذاته و حدث شیء آخر لیس أنه صار شیئا آخر على أنک إن تأملت هذا أیضا علمت أنه یقتضی هیولى مشترکة و تجدد مرکب لا بسیط.
قلنا قد مر أن الذی قد بطل کان أمرا عدمیا من قبیل القوة و الاستعداد- على أن لنا أن نقول کما حققناه فی معنى کون الحرکة فی مقولة و أن أی المقولات یقع فیها الحرکة من إثبات فرد تدریجی الوجود لمقولة الکیف و الکم «2» بل الجوهر أیضا یجوز أن یکون ذات الشیء بحیث یتجدد و یتطور فی نفس ذاته من غیر أن یبطل ذاتا و وجودا و یحدث شیء آخر منفصل الوجود و الذات عنه بل کاشتداد الحرارة فی نفسها فإن ذات الحرارة لو کانت فی کل آن من الآنات المفروضة فی زمان حرکته الاشتدادیة موجودا بوجود آخر یلزم منه تتالی الآنات و ترکب المسافة و الحرکة من الغیر المنقسمات و هو محال قد علمت استحالته فی مباحث الجزء فلا محالة لتلک الحرارة الاشتدادیة وجود واحد مستمر و له فی کل جزء من أجزاء ذلک الزمان نوع آخر من الحرارة کما هو مذهبهم من أن مراتب الحرارة أنواع متخالفة کما بیناه و مع ذلک کلها موجودة بوجود واحد تدریجی فلیس بمحال کون معان مختلفة متحدة فی الوجود بمعنى أنها منتزعة مفهوما عن موجود واحد کما کانت منتزعة مفهوما عن موجودات کثیرة إنما المحال اتحاد حرارة أخرى بالفعل مع حرارة أخرى بالفعل و کذا صیرورة ذاتین موجودتین ذاتا واحدة موجودة لأن کل وجود بالفعل له تعین خاص بالفعل و مع محال أن یصیر هذا التعین بعینه ذلک التعین بعینه و کذا کل ماهیة لها حد خاص و مفهوم محصل یمتنع أن یصیر ماهیة أخرى لها حد آخر و مفهوم محصل آخر لامتناع أن یحمل على مفهوم الإنسان- مفهوم الفرس حملا ذاتیا أولیا کیف و کل ماهیة من حیث هی لیست إلا هی- و أما کون الماهیات المتعددة بحسب المعنى و المفهوم موجودة بوجود واحد فلیس ذلک مما یمتنع عند العقل کلیا إلا ما ساق إلیه البرهان فی بعض الماهیات کماهیة الواجب و الممکن و القوة و الفعل و الجوهر و العرض و کالمتضادین و الأعدام و الملکات و نحوها مما قام البرهان على أنها لا یمکن أن تکون موجودة بوجود واحد.
الحکمة المتعالیة فى الاسفار العقلیة الاربعة، ج3، کلام المعلم الأول و الجواب عنه ص 330-344
و قوله هذا أیضا یقتضی هیولى مشترکة.
قلنا نحن لا نمنع أن یکون لمثل هذا الشیء المتبدل وجود ذاته فی الاستکمال تعلق ما بجوهر مادی واقع تحت الحرکة و الزمان «1» و أما قوله و تجدد مرکب لا بسیط فغیر مسلم إن أراد به المرکب الخارجی فی ذاته لأن کل وجود صوری لا ترکیب فیه خارجا سیما الذی قد تهیأ لأن یصیر عقلا بالفعل و إن أراد به النوع الخارجی المرکب منه و من المادة البدنیة فهو مسلم و لا انتقاض فی ذلک و أما الحجة الخاصة الأخرى التی ذکرها فی الشفاء فقوله لو کانت النفس- صارت صورة شیء من الموجودات بالفعل إلى قوله و قد نراها تقبل صورة أخرى.
قلنا فی تحقیق هذا المقام إن النفس فی أول ما أفیضت على مادة البدن کانت صورة شیء من الموجودات الجسمانیة «2» فکانت کالصور المحسوسة و الخیالیة لم یکن فی أول الکون صورة عقلیة لشیء من الأشیاء کیف و من المحال أن یحصل من صورة عقلیة و مادة جسمانیة نوع جسمانی واحد کالإنسان بلا توسط استکمالات و استحالات لتلک المادة إذ ذاک عندی من أمحل المحالات و أشنع المحذورات فإن وجود المادة القریبة للشیء من جنس وجود صورته إذ نسبة الصورة إلیها نسبة الفصل المحصل- للجنس القریب إلیه فالنفس فی أوائل الفطرة کانت صورة واحدة من موجودات هذا العالم إلا أن فی قوتها السلوک إلى عالم الملکوت على التدریج فهی أولا صورة شیء من الموجودات الجسمانیة و فی قوتها قبول الصور العقلیة و لا منافاة بین تلک الفعلیة- و هذا القبول الاستکمالی لما مر من حکایة قول الشیخ إن وجود الشیء من شیء قد یکون بطریق الاستکمال و هو سلوک السلسلة الطولیة و قد یکون بطریق التفاسد و هو سلوک السلسلة العرضیة کما فی المعدات فالصورة النفسانیة الحسیة کمادة للصورة الخیالیة و هی کمادة للصور العقلیة و هو أول ما یفیض علیها أوائل المعقولات ثم ثوانیها على التدریج صائرة إیاها کما أشرنا إلیه و سنزیدک إیضاحا أیضا.
فقوله لیس فی ذات الصورة قوة قبول شیء.
قلنا لا نسلم بل جهة القبول مضمنة فیها تضمن الفصل فی النوع البسیط «1».
قوله إنما القبول فی القابل للشیء.
قلنا نعم و لکن بمعنى آخر القبول قد یعنى الانفعال التجددی الذی یکون لحدوث مقابل الشیء کالمتصل إذا صار منفصلا و الماء إذا صار هواء و أما القبول بمعنى قوة الاستکمال فالشیء الصوری یمکن اتصافه بالقبول بهذا المعنى بالقیاس إلى اشتداده فی الکمالیة و بالجملة القبول قد یکون مصحوبا للعدم الخارجی للشیء و قد یکون مصحوبا للعدم الذهنی له و الأول شأن المادة القابلة «2» و الثانی شأن الصورة المتعلقة بها «1» و أما الصورة البریئة من کل الوجوه من المادة فلیس فیها کمال منتظر.
و قوله فإن کان ذلک الغیر أیضا لا یخالف هذه الصورة فهو من العجائب فیکون القبول و اللاقبول واحدا.
قلنا ذلک الغیر لیست غیریته بأنه بالفعل صورة موجودة بل هو معنى متحد مع هذه الصورة النفسانیة اتحادا فی الوجود لأن المراد من صورة الشیء عندنا هو وجود ذلک لا المفهوم الکلی منه فالصورة لکل شیء لا تکون إلا واحدة بسیطة لکن قد تکون مصداقا لمعان کثیرة کمالیة و قد لا تکون کذلک کما أنه قد یکون وجودا قویا شدیدا و قد یکون وجودا ضعیفا ناقصا فالنفس إذا قویت تصیر مصداقا لمعان کثیرة کل منها إذا وجدت على حدة فربما کانت صورة لنوع ناقص جسمانی کالفرس المعقول و الشجر المعقول و الأرض المعقولة فلکل منها صورة جسمانیة إذا وجدت فی الخارج أعنی فی المواد الجسمانیة کانت صورة نوع مادی و إذا وجد المعقول منها فی عالم العقل کان متحدا بجوهر عقلی لا یلزم أن یکون صورة ذاته «1» أو نحو وجوده العقلی بل معنى من المعانی المتحدة به على وجه أعلى و أشرف من اتحاده بالصور الجسمانیة الدنیة لأن الوجود العقلی وجود عال شریف قد یوجد منه جمیع المعقولات بوجود واحد لا کوحدة الأجسام و ما فیها.
و قوله و إن کان یخالفه فیکون النفس لا محالة إن کانت هی الصورة المعقولة- قد صارت غیر ذاتها.
قلنا لم تصر غیر ذاتها بالعدد بل غیرها بالکمال و النقص أو بالمعنى و المفهوم مع بقاء الوجود الذی کان و قد صار أفضل و أشرف.
و قوله بل النفس هی العاقلة و العقل إنما یعنی به قوتها التی بها یعقل أو یعنی به صور هذه المعقولات و لأنها فی النفس تکون معقولة فلا یکون العقل و العاقل و المعقول شیئا واحدا.
قلنا أما کون المعنى الأول هو العقل بالفعل فغیر صحیح لأن تلک القوة سواء أرید بها استعداد النفس «2» أو ذاتها الساذجة «3» عن صور المعقولات فی ذاتها محال أن یکون هی بعینها عین العقل بالفعل و إلا لکان شیء واحد بعینه قوة و فعلا جهلا و علما و أما کون تلک الصور المعقولة عقلا بالفعل على ما زعمه من أن الجوهر النفسانی الذی هو صورة کمالیة للحیوان البشری اللحمی کان عاقلا لها و هو فی ذاته کما قلنا فذلک قد کشفنا عن استحالته و أوضحنا فساده من الجانبین- أما من جانب النفس فالذات العاریة من العقل کیف تعقل صور عقلیة مباینة الذات لها خارجة الوجود عن وجودها و أیضا ثبوت الشیء للشیء مطلقا کما أنه فرع لثبوت المثبت له إن ذهنا فذهنا و إن خارجا فخارجا لأن البرهان قائم على أن ما هو معدوم فی ظرف من ظروف الوجود أو فی عالم من العوالم فلا یمکن وجود شیء آخر له فی ذلک الظرف أو العالم ضرورة أن الموجود لا یوجد إلا لموجود لا لمفقود فکذلک حال الوجود العقلی للموجود فی عالم العقل فإن الوجود العقلی الصرف المجرد عن المواد و علائقها لا یمکن ثبوته لشیء إلا و له فی ذاته مثل هذا الوجود بأن یکون عقلا و معقولا بالفعل فالمعقول بالفعل لا یثبت إلا لمعقول بالفعل کما أن المعقول بالقوة و هو الصور المادیة لا یثبت إلا لمعقول بالقوة کالأجسام و المقادیر التی هی ذوات الأوضاع فقد علم أن النفس قبل أن تصیر ذاتا معقولة لا یثبت لها صورة من العقلیات- اللهم إلا بالقوة کالصور الخیالیة و الوهمیة قبل أن أشرقت على الخیال و على تلک الصور نور العقل الفعال و أما من جانب تلک الصور العقلیة «1» فقد علمت بالبرهان الذی ألهمنی الله به أن تلک الصور بعینها مع قطع النظر عن جمیع ما عداها هی معقولة الهویات فی ذاتها سواء وجد شیء فی العالم عقلها أو لم یوجد فإذا کانت هی مع قطع النظر عن تلک النفس معقولة فهی فی حد ذاتها عاقلة لذاتها فلا محالة کانت النفس متحدة بها و هذا هو مطلوبنا.
و اعلم أن الشیخ مع کونه من أشد المصرین فی إنکار القول باتحاد العاقل و المعقول فی سائر کتبه لکن قد قرر هذا المطلب فی کتابه الموسوم بالمبدإ و المعاد و أقام الحجة علیه فی الفصل المترجم بأن واجب الوجود معقول الذات و عقل الذات و لست أدری هل کان ذلک على سبیل الحکایة لمذهبهم لأجل غرض من الأغراض أو کان اعتقادیا له لاستبصار وقع له من إضاءة نور الحق من أفق الملکوت و الذی ذکره المحقق الطوسی فی شرح الإشارات اعتذارا عن إیراد الشیخ هذا المذهب هناک و قد سماه هذا الشارح حین شرحه لهذا المقام مذهبا فاسدا أنه قد صنف هذا الکتاب تقریرا لمذهب المشائین من أصحاب المعلم الأول فی المبدإ و المعاد حسب ما اشترطه فی صدر تصنیفه ذلک فعلى ما ذکره یعلم أن تحقیق هذا المطلب الشریف کان وقفا على الأوائل- لم یتوارثه أحد من علماء النظار أولی البحث و الاعتبار لو لا أن من الله به على بعض الفقراء المساکین و شرح صدره بقوة العزیز الحکیم
شاهرودی مباحث مربوط به تدریس اینجانب مانند سرفصل ها، عناوین پژوهشهای مربوط به درس، پژوهشهای دانشجویان در زمینه های فلسفه و عرفان و سایر دروس رشته فلسفه و حکمت اسلامی به منظور استفاده دانشجویان علاقمند ارائه خواهد شد |